الوصول للقمة بين معرفة الذات وترتيب الأولويات
الوصول للقمة بين معرفة الذات وترتيب الأولويات
تشغل العلاقات جزءاً رئيسياً من حياتنا فلا يمكن أن نتجاهلها، خلقنا الله وبداخل كل منا احتياج للآخر.
والأشخاص الذين يتظاهرون بأنهم لا يحتاجون إلى أحد في حياتهم يخدعون أنفسهم، وعادة ما يكونون قد جُرحوا من قبل، فيحاولون تجنب المزيد من ألم المشاعر.
المشاعر أمر أساسي، وهي أحد الجوانب التي يمكن أن تسبب لنا اضطرابا كبيرا. نحن نحتاج إلى الآخرين ولكن أحيانا يكون من الصعب التعامل معهم ومعرفتهم معرفة سليمة.
فمثلا نحتاج إلى رضا الآخرين، ونجتهد في أن نسعدهم ولكننا دائما نجد شخصا لا يشعر بالسعادة أو الرضا معنا مهما حاولنا. فنجد أنفسنا نعاني آلام الرفض، وأحيانا نجد أن الآخرين لا يشعرون بالرضا والسعادة إلا حينما نعمل ما يريدونه هم، نريد أن نشارك الآخرين مشاعرنا وأمانينا الدفينة وأجمل أحلامنا وأهدافنا، ولكننا لا نجرؤ لأننا نخاف أن يسخروا منا أو يرفضونا أو يغدروا بنا، والحقيقة الأليمة هي أنه كثيرا ما يقسو علينا من وضعنا ثقتنا فيهم.
والشاهد أنه مهما كانت تجربتك في الماضي فإنني أريد أن أطمئنك بأنك تستطيع أن تتمتع بعلاقات طيبة وناجحة ولكن لكي تفعل ذلك عليك أن تضع أولويات وحدودا.
الأولوية هي شيء غاية في الأهمية لنا ولكي نصنع علاقات مشبعة صحيحة عليك أن ترتب الأشياء حسب أهميتها بالنسبة لك ترتيبا نزوليا وسيساعدك هذا في اكتساب بعض الأمور التي قد تدهشك.
والمهم في هذا الأسلوب أنك قد تكتشف مثلا أنك أمضيت وقتا كبيرا في علاقة غير مهمة للمعنى الإجمالي لحياتك في الوقت الذي أهملت فيه علاقات أخرى كان يجب أن تتصدر قائمة أولوياتك.
في علاقتك مع الخالق أولاً
من الذي تقضي معه معظم وقتك؟ يجب أن يكون الخالق في مقدمة أولوياتك وأن تحرص على أداء صلواتك في مواعيدها وأن يكون الخالق سبحانه الشخص الأول في حياتك.
لن تصبح لك أية علاقة سليمة وراسخة مع أي أحد إلا إذا جعلت الخالق رقم واحد في حياتك، لأنه سبحانه هو الرباط الذي يربطنا معا، وهو الأساس الذي يجب أن نبني عليه كل شيء في حياتنا، وبدون الله وما يعلمنا إياه عن العلاقات فعادة ما نصل في النهاية إلى الصراع والمشاعر الجريحة في كل جانب من جوانب حياتنا.
علاقة سليمة مع والديك
أما العلاقة التي تلي علاقتك مع خالقك ويجب أن تكون علاقة راسخة فهي علاقتك مع والديك.
ربما يعاني والداك مشكلة معينة ولا يقومان بدورهما في قيام و تنمية علاقات سليمة معك، ورغم أنك لا تستطيع أن تغير الآخرين إلا أنه بإمكانك أن تقوم بدورك.. وثق أن الله سيباركك إن فعلت ذلك.
الأصدقاء مهمون ولكنني أدعوك أن تهتم بأصدقائك أقل من اهتمامك بأسرتك، فمعظم الأشخاص الذين تقدم لهم حياتك اليوم ربما لن تراهم بعد بضعة سنوات.. أما أسرتك فستظل تنتمي إليها.
إذا لم تُنَمِ علاقتك بأفراد أسرتك فقد تشعر بالإحباط إن عرفت أنك تحتاج إليهم ولكن إن لم يكونوا مستعدين أن يساعدوك فستقوم بدورك بسبب إحساسك بالمسؤولية تجاههم وليس بدافع المحبة.
كثيرا ما نتوقع شيئا من الآخرين لم نزرع بذورا له من قبل، فإذا أردنا أن يظهر الآخرون لنا المحبة، والاهتمام يجب أن نزرع أولا بذور محبتنا واهتمامنا بهم.
في الصداقات السليمة والزائفة
ستكون لك علاقات مختلفة مع أشخاص متنوعين فربما تستمتع بعلاقات طيبة مع أشخاص قليلين، ولكن هذا لن يحدث مع كل شخص تعرفه.
يمكننا أن نقدم المحبة ولكن يجب أن نقبلها من الآخرين.. لا يمكنك أن تكون أفضل صديق للجميع.
في أحيانا كثيرة نخطئ حينما نحاول أن نختار الأشخاص الذين نريد أن نصادقهم، وأحيانا نجرح أثناء هذه المحاولة، لا سيما حينما تكون الدوافع وراء اختياراتنا غير نقية.. ربما نريد إن نصادق أشخاصا معينين لأنهم محبوبون، أو لأننا نرى أنهم الباب الذي يقودنا إلى ما نريد، فقد يعرفون شخصا نرى أن نصادقه، أو أن يكون لديهم شيء نريد أن نحصل عليه. هذه دوافع خاطئة لا تصلح لبناء علاقة صداقة.
أدعوك أن تتأكد من نقاء دوافعك عند اختيارك أصدقائك. لا تحاول ألبتة أن تستخدم الناس للوصول إلى ما تريد.
** لا تسمح لأحد أن يقنعك بعمل أشياء لا تريدها
ماذا عن أصدقائك الحقيقيين؟ ما نوع الأولويات التي يجب أن تضعها في علاقتك بهم؟ أنت في حاجة إلى أن تقضي وقتا معهم، كما تحتاج لأن تتواجد حينما يحتاجون إليك.
عند بعض الناس احتياجات كثيرة لدرجة أنهم يخنقوننا.. هنا لا بد أن تساعد أصدقاءك بقدر استطاعتك، ساعدهم في عمل الأشياء الناجحة، ادعُ لهم بالخير، تحدث إليهم عبر الهاتف، لكن لا ترتبك بهم أو بمشاكلهم.
** لا يستطيع الآخرون أن يقدموا لك مشكلاتهم إذا رفضت أن تأخذها.
الحدود أمر إيجابي لأنها تفسح لنا مجالا آمنا لنحيا فيه، والحياة الخالية من الحدود تنتهي بالفشل.
يجب أن تشتمل جميع العلاقات على حدود، بما في ذلك العلاقة بين الوالدين والأبناء. أحيانا يريد الأبناء السلطة بدون تحمل مسؤولية، وأحيانا يريد الوالدان تحميل الأبناء المسؤولية بدون إعطائهم سلطة لاتخاذ أي قرارات والموقفان غير متوازيين وخاطئان تماما.
يجب ألا يتوقع الآباء من أبنائهم أن يتحملوا مسؤولية إطاعتهم إن لم يمنحوهم السلطة. وإنما السلوك الحسن يجب أن يكافأ دائما بمزيد من الامتيازات.
ينطبق هذا المبدأ نفسه على العلاقات الأخرى مثل العلاقة بين الموظف ورئيسه في العمل، وبين الله والمؤمن.
في أبعاد علاقتك مع نفسك
ربما لم يخطر على بالك من قبل إن لك علاقة مع نفسك. في الواقع إن الوقت الذي تمضيه مع نفسك أطول من الوقت الذي تمضيه مع أي شخص آخر. تأمل هذه الحقيقة أنت لا تستطيع أن تتملص من نفسك مهما فعلت.
ليس مطلوب منا أن نكون أنانيين في محبتنا لأنفسنا فنسيء معاملة الآخرين لنحقق ما نريد، ولكننا نحتاج لأن نحب ذواتنا بطريقة صحيحة.
أحيانا نقضي وقتا طويلا في مقارنة أنفسنا بالآخرين والتنافس معهم لدرجة أننا لا نتعرف على أنفسنا.
أنت عظيم القيمة بل إنك من أعظم الأشخاص الذين يمكنك أن تتعرف عليهم. ولكنك مثل أي شيء آخر لك نقاط قوة ونقاط ضعف. أشجعك ألّا تضخم من نقاط ضعفك وإنما تسلمها بين يدي الله تعالى وتجعله يلمسها بقوته، فقوته تكمل ضعفنا.
تعلم أن تصادق نفسك، فإن لم تستطع ستجد صعوبة في مصادقة الآخرين.
انتصر على الماضي وابنِ مستقبلك
هل يوجد في ماضيك أشياء تهدد مستقبلك وتجعلك تشعر بالخجل؟ هل وقعت في أخطاء؟ هل فشلت من قبل؟ هل ترى في حياة والديك ما يجعلك تشعر بالحرج أو الخجل؟
لكي أكون صادقا أعتقد أننا جميعا نخفي في دواخلنا هياكل عظمية لا نسمح لأحد أن يراها. ولكن الخبر السار هو أن الله تعالى يعلم بالفعل كل شيء عن ماضيك ومستقبلك ويحبك على أي حال. وإليك أيضا هذا الخبر السار: إننا جميعا في قارب واحد. لست وحدك الذي له ماضٍ يتمنى لو لم يحدث.
ولكن في البداية اسمح لي أن أقول إنك تقدر أن تتغلب على أخطاء الجيل الذي سبقك أو الذي يربكك.
إن مشكلة الطلاق من المشكلات المنتشرة في الوقت الحاضر، ولكن هذا لا يعني أنك ستطلق إن تزوجت، فمن الممكن أن ينجح الزواج ويصبح رائعا.
تجنب إشكالية الإشفاق على النفس
من بين عديد من المشكلات التي تحول دون نمونا الشخصي، تلك المتعلقة بإشكالية الإشفاق على الذات والبكاء على أطلال الماضي وتلمس العزاء من كل من حولك.
يمكنك إن أردت أن تثير شفقة من حولك، ولكن ليس الإشفاق على الذات طريقا يؤدي إلى حياة فعالة، وإنما هو طريق مسدود ينتهي بهوة عميقة من الإحباط واليأس. إنه يجعلك تركز على ذاتك فلا ترى سوى كل ما هو خاطئ في حياتك الإشفاق على النفس عاطفة سلبية ومدمرة.
إن الإشفاق على النفس يحبسك في فخ الأشياء التي تسببت في إيلامك ويجعلك تعيشها مرات ومرات أخرى في ذاكرتك.